مائة سؤال وجواب فى العقيدة المسيحية الأرثوذكسية
لنيافة الحبر الجليل الأنبا بيشوى
مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى وسكرتير المجمع المقدس
ورئيس دير القديسة دميانة
السؤال الأول : ما معنى كلمة أقنوم؟
كلمة أقنوم باليونانية هى هيبوستاسيس ، وهى مكونة من من مقطعين:
هيبو وتعنى تحت ، وستاسيس وتعنى قائم أو واقف
وبهذا فإن كلمة هيبوستاسيس تعنى تحت القائم ولاهوتياً معناها ما يقوم عليه الجوهر أو ما يقوم فيه الجوهر أو الطبيعة .
والأقنوم هو كائن حقيقى له شخصيته الخاصة به وله إرادة
ولكنه واحد فى الجوهر والطبيعة مع الأقنومين الآخرين بغير إنفصال .
السؤال الثانى: من هم الأقانيم الثلاثة؟
الأقانيم الثلاثة هم الآب والأبن والروح القدس:
+ فالآب هو الله من حيث الجوهر ، وهو الأصل من حيث الأقنوم .
+ والأبن هو الله من حيث الجوهر ، وهو المولود من حيث الأقنوم .
+ والروح القدس هو الله من حيث الجوهر ، وهو المنبثق من حيث الأقنوم .
السؤال الثالث: كيف أن الجوهر الإلهى واحد ومع هذا فإن هناك ثلاثة أقانيم متمايزة ومتساوية؟
لشرح فكرة الجوهر الواحد لثلاثة أقانيم متمايزة و متساوية فى الجوهر نأخذ مثالاً:
مثلث من الذهب الخالص له ثلاثة زوايا متساوية أ ، ب ، جـ
- الرأس ( أ ) هو ذهب من حيث الجوهر .
- الرأس ( ب ) هو ذهب من حيث الجوهر .
- الرأس ( جـ ) هو ذهب من حيث الجوهر .
فالرؤوس الثلاثة لهم جوهر واحد ، وكينونة واحدة ، وذهب واحد ، وهو جوهر المثلث .
ولكن ( أ ) ليس نفسه هو (ب)
( ب ) ليس نفسه هو ( جـ )
( جـ ) ليس نفسه هو ( أ ) .
لأن ( أ ) لو كان هو ( ب ) [نطبق الضلع ( أجـ ) على الضلع ( ب جـ ) وبذلك ينعدم الذهب .
* لو طبقنا نفس الفكرة بالنسبة للثالوث القدوس:
+ الآب هو الله من حيث الجوهر .
+ الأبن هو الله من حيث الجوهر .
+ الروح القدس هو الله من حيث الجوهر .
والثلاثة يتساوون فى الجوهر ، والجوهر نفسه الإلهى هو فى الآب والأبن والروح القدس .
ولكن الآب ليس هو نفسه الأبن وليس هو نفسه الروح القدس
وكذلك الأبن ليس هو نفسه الروح القدس وليس هو نفسه الآب
وكذلك الروح القدس ليس هو نفسه الآب وليس هو نفسه الأبن .
السؤال الرابع : هل يمكننا أن نقول إن الكينونة فى الثالوث القدوس قاصرة على الآب وحده؟ والعقل قاصر على الإبن وحده؟ والحياة قاصرة على الروح القدس وحده؟
لا ... لا يمكننا أن نقول هكذا ، فينبغى أن نلاحظ أنه طبقاً لتعاليم الآباء فإن الكينونة أو الجوهر ليس قاصراً على الآب وحده .
ففى قداس القديس غريغوريوس النزينزى نخاطب الإبن ونقول:
"أيها الكائن الذى كان والدائم إلى الأبد"
لأن الآب له كينونة حقيقية وهو الأصل فى الكينونة بالنسبة للإبن والروح القدس ، والإبن ل كينونة حقيقية بالولادة الأزلية ، والروح القدس له كينونة حقيقية بالإنبثاق الأزلى ، ولكن ليس الواحد منهم منفصلاً فى كينونته أو جوهره عن الآخرين .
+ وكذلك العقل ليس قاصراً على الإبن وحده ، لأن الآب له صفة العقل والإبن له صفة العقل والروح القدس له صفة العقل ، لأن هذه الصفة من صفات الجوهر الإلهى .
وكما قال القديس أثناسيوس:
+ "إن صفات الآب هى بعينها صفات الإبن إلا صفة واحدة وهى أن الآب آب والإبن إبن .
ثم لماذا تكون صفات الآب هى بعينها صفات الإبن؟ إلا لكون الإبن هو من الآب وحاملاً لذات جوهر الآب" .
ولكننا نقول أن الإبن هو الكلمة "اللوغوس" أو العقل المولود أو العقل المنطوق به ، أما مصدر العقل المولود فهو الآب .
+ وبالنسبة لخاصية الحياة فهى أيضاً ليست قاصرة على الروح القدس وحده لأن الآب له صفة الحياة والإبن له صفة الحياة والروح القدس له صفة الحياة ، لأن الحياة هى من صفات الجوهر الإلهى .. والسيد المسيح قال:
"كما أن الآب له حياة فى ذاته كذلك أعطى الإبن أيضاً أن تكون له حياة فى ذاته"
"يو 26:5" .
وقيل عن السيد المسيح بإعتباره كلمة الله:
"فيه كانت الحياة" "يو 4:1" .
ولكن الروح القدس نظراً لأنه هو الذى يمنح الحياة للخليقة لذلك قيل عنه أنه هو:
(الرب المحيى) "حسب قانون الإيمان والقداس الكيرلسى" ، وكذلك أنه هو (رازق الحياة) أو (معطى الحياة) "حسب صلاة الساعة الثالثة" .
+ من الخطورة أن ننسب الكينونة إلى الآب وحده ، والعقل للإبن وحده ، والحياة إلى الروح القدس وحده لأننا فى هذه الحالة نقسم الجوهر الإلهى الواحد إلى ثلاث جواهر مختلفة .
أو ربما يؤدى الأمر إلى أن ننسب الجوهر إلى الآب وحده "طالما أن له وحده الكينونة" وبهذا ننفى الجوهر عن الإبن والروح القدس ، أو نلغى كينونتيهما ويتحولان بذلك إلى صفات لإقنوم إلهى وحيد هو إقنوم الآب .
السؤال الخامس: هل هناك علاقة بين طبيعة الله "الله محبة" وبين فهمنا للثالوث القدوس؟
نعم هناك علاقة أكيدة:
+ إن مفتاح المسيحية - كما نعلم - هو أن "الله محبة" (1يو 4 : 8 ، 16) .
ونحن نسأل من كان الآب يحب قبل أن يخلق العالم والملائكة والبشر؟
إذا أحب الآب نفسه يكون أنانياً (ego - centeric ) ، وحاشا لله أن يكون هكذا ، إذاً لابد من وجود محبوب كما قال السيد فى مناجاته للآب قبل الصليب .. "لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم" (يو 24:17) ..
وبوجود الإبن قبل إنشاء العالم وفوق الزمان أى قبل كل الدهور; يمكن أن نصف الله بالحب أزلياً وليس كأن الحب شئ حادث أو مستحدث بالنسبة للآب .
فالأبوة والحب متلازمان ، طالما وجدت الأبوة فناك المحبة بين الآب والإبن .
+ ولكن الحب لا يصير كاملاً إلا بوجود الأقنوم الثالث ، لأن الحب نحو الأنا هو أنانية وليس حباً ، والحب الذى يتجه نحو الآخر الذى ليس آخر سواه (المنحصر فى آخر وحيد) هو حب متخصص رافض للإحتواء (exclusive love ) بمعنى أنه حب ناقص ..
ولكن الحب المثالى هو الذى يتجه نحو الآخر وإلى كل من هو آخر ( inclusive love ) وهنا تبرز أهمية وجود الأقنوم الثالث من أجل كمال المحبة .
+ وإذا وُجدت الخليقة فى أى وقت وفى أى مكان فهى تدخل فى نطاق هذا الحب اللانهائى ، لأن مثلث الحب هنا هو بلا حدود ولا مقاييس ..
هذا الحب اللانهائى الكامل يتجه نحو الخليقة حيثما وحينما توجد ، كما قال السيد المسيح للآب:
"ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم" ( يو26:17 ) .. إن الحب الكامل هو الحب بين الأقانيم الثلاثة وهذا هو أعظم حب فى الوجود كله .
+ لكن يسأل سائل لماذا لا تكون الأقانيم أربعة أو خمسة ؟
وللرد نقول أن أى شىء ناقص فى الله يعتبر ضد كماله الإلهى ، كما أن شىء يزيد بلا داع يعتبر ضد كماله الإلهى .
إن مساحة المثلث هى ما لانهاية ، ومثلث الحب هذا يتسع حتى يشمل كل الخليقة ، فأى كائن يقع داخل نطاق المثلث يشمله الحب ، فما الداعى لرأس رابع أو خامس؟!
ا للـــــــــــه ثالـــــــــــوث ( وحدانية الله جامعة )
وأمام محيط واسع وعميق من الإعلانات الألهية الواضحة عن حقيقة الثالوث نقف الآن .ولكن قبل الكلام عن هذا الحق الجوهرى لابد أن نشير إلى حقيقة هامة وهى:
1-وحدانية الله..
وذلك بسرد قليل من الآيات الكثيرة التى فى كلمة الله .
" إسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد " تثنيـــة 6: 4 .
" إنك قد أريت لتعلم أن الرب هو الإله ليس آخر سواه " تثنيـــة 4: 35 .
" ... لكى تعرفوا وتؤمنوا بى وتفهموا أنى أنا هو .قبلى لم يصور إله وبعدى لا
يكون" إشعياء 43: 11 ، 45: 5 .
" أنت تؤمن أن الله واحد . حسناً تفعل " يعقوب 2: 19 .
وهذه الآيات تعرفنا أن الله واحد . ولكن ترى أى وحدانية تلك إنها
2- وحدانية اللــــه الجامعة..
لا يقدر مخلوق أن يعرف الله كما هو ، وإنما يمكننا أن نعرف بما نميزه عن كل ما سواه ، كقولنا : أن الله روح ، غير مخلوق ، سرمدى ، غير متغير فى وجوده وقدرته وقداسته وعدله وجودته وحقه ، وجميع قوانين الإيمان المسيحى صدرت فى عبارات تصرح بهذه الحقيقة .
فالقانون النيقوى مثلاً: يبدأ بالقول :"نؤمن بإله واحد ". ولكن هذه الوحدانية تختلف عما عداها ، وذلك فى المسيحية فقط ، لأنها تؤمن بشخصية الله . أى أنها تؤمن بأن هذا الإله الواحد ليس مجرد قوة أو شىء ، بل هو شخص حى عاقل ، واجب الوجود بذاته ، له مقومات الشخصية فى أكمل ما يمكن أن تشتمل عليه هذه المقومات من معان .
وإذا كان من المٌسلم به أن الشخصية تقوم دوماً على ثلاثة أركان هى : الفكر والشعور والإرادة ، وأن الله هو الشخصية الوحيدة الكاملة إذا قورن بغيره من شخصيات خلائقه ، لذلك كان لابد أن نعرف شخصيةالله بأنها:
الشخصية الوحيدة الفكر والشعور والإرادة - إذ هو أول كل شىء الإله المدرك لذاته . والمدرك لكل شىء صنعه . وتؤمن المسيحية بأن هذا الإله ، الشخص الحى الواحد ، ليس جسماً مادياً يمكن أن يرى أو يلمس أو يدرك بالحواس البشرية ، فهو كما قال المسيح
" روح"وهو أيضاً " أبو الأرواح " عبرانيين 12: 9.
بيد أن المسيحي يؤمن بأن وحدانية الله جامعة ، أى أن الله ذو ثلاثة أقانيم : الآب والإبن والروح القدس ، وهؤلاء الثلاثة هم واحد ولهم جوهر واحد .
بناء على ما تقدم ، إذا قلنا أن الله مثلث الأقانيم وإذا قلنا أنه واحد فى الجوهر فهذا ليس معناه ، على الإطلاق ، أنه هو ثلاثة أو أنه واحد . ليس هو ثلاثة بمعنى العدد. العدد لا علاقة له بالله . لا يستطيع الإنسان أن يعد إلا المحسوسات . الله لا يعد لأن من عده فقد حده .
ومن المعروف أن تعليم وحدانية الله وتمايز الأقانيم أحدها عن الآخر ومساوتها فى الجوهر ، ونسبة أحدها للآخر ،لم يردبه فى الكتاب المقدس جملة واحدة بالتصريح به ، بل فى آيات متفرقة . غير أن جوهر هذه الأمور منصوص عليه من أول الكتاب إلى آخره